النظرية المعرفية

النظرية المعرفية

يرى الكثير من علماء علم النفس التربوي أن التعلم عبارة عن تغير نسبي في المعرفة أو المهارة أو السلوك نتيجة للممارسة أو الخيرية أو التدريب، ومن المؤكد أن الوظيفة الأساسية للمدرسة مساعدة التلاميذ على التعلم بفاعلية وهناك الكثير من النظريات التي حاولت تفسير ظاهرة التعلم لكونها من أكثر الظواهر التربوية والنفسية استقطابا لاهتمام علماء النفس التربوي .

وقد تبلورت تلك النظريات في اتجاهين:

الأول: الاتجاه الارتباطي أو السلوكي

ويتزعمه علماء المدرسة السلوكية، وقد استخدمت التجارب الأولى التي قامت عليها تلك النظريات السلوكية صيغا بسيطة للتعلم مثل : الحركات الأولية، والمهارات اللفظية ، والإقدام ، أو الإحجام عن ممارسة بعض الأنماط السلوكية باستخدام التعزيز.

الثاني: الاتجاه المعرفي:

وتقوم التجارب الأولى لنظريات التعلم المعرفي على استخدام صيغ للتعلم أكثر تعقيدا تعتمد على دور العمليات العقلية المعرفية في التعلم.

ويقوم هذا الاتجاه على الاهتمام بالعمليات المعرفية الداخلية مثل : الانتباه والفهم والذاكرة والاستقبال، ومعالجة وتجهيز المعلومات، كما أنه يهتم أيضا بالعمليات العقلية المعرفية والبنية المعرفية وخصائصها من حيث التمايز والتنظيم والترابط والتكامل والكم والكيف والثبات النسبې، كما أنه يهتم بالاستراتيجيات المعرفية باعتبارها ترتبط إلى حد كبير بالبنية المعرفية من ناحية أخرى والتي من خلالها يحدث ما يلي:

  • الانتباه الانتقائي للمعلومات التي تستقبل.
  • التفسير الانتقائي للمعلومات التي تستقبل.
  • إعمال التفكير وإعادة صياغة المعلومة وبناء تراکیب معرفية جديدة.
  • تخزين هذه التراكيب في الذاكرة والاحتفاظ بها لحين الحاجة إليها.
  • استرجاع أو استعادة المعلومات السابق تخزينها بما يتلاءم مع طبيعة الموقف أو الأستثارة.

ومن رواد الاتجاه المعرفي علماء النفس الألمان (ماکس فرتهيمر) و (كيرت کوفكا) اللذان انصب اهتمامهما على سيكولوجية الإدراك والتعلم والتفكير، (کیرت ليفيه) الذي اهتم بمكونات أخرى في الموقف التعليمي مثل المجال النفسي والدافعية والسلوك الاجتماعي إلى جانب ما اهتم به علماء النفس الجشتالتيون وهذه المكونات تشكل المجال الإدراكي للمتعلم، ولذا عرفت نظرية (كيرت ليفيه ) باسم نظرية المجال.

كما أسهم في تدعيم هذا الاتجاه كثير من علماء علم النفس المعرفي مثل : میلر و أوزبل ، و برونر، وجانييه.

الاتجاه المعرفي ومحاوره الأساسية:

  • إن تفسير ظاهرة التعلم في ضوء العلاقة بين المثير والاستجابة ينطوي على تبسيط مخل وتناقض حاد لما تنطوي عليه النفس الإنسانية من إمكانات وقوى وطاقات عقلية معرفية وانفعالية ووجدانية، وهذا التبسيط يعد قاصراً عن تقديم تفسيرات متنوعة لكثير من القضايا والعمليات المرتبطة بظاهرة التعلم وبصفة خاصة التعلم الإنساني.
  • يعتقد علماء علم النفس المعرفي أن سلوك الشخص هو دائما محكوم أو على الأقل قائم على ما لدى الفرد من معرفة وأنه نتاج لا يعرفه الفرد ويفكر فيه.

المفاهيم الأساسية للمنظور المعرفي:

تقوم النظريات المعرفية على عدد من المفاهيم الأساسية. وقد كان لاستخدام هذه المفاهيم أثره المباشر وغير المباشر في التفسير الكيفي لظاهرة التعلم من حيث طبيعتها والعوامل المؤثرة فيها وعملياتها ونواتجها، ومن أهم تلك المفاهيم :

أولاً: الكل أو الموقف الكلي:

يشكل الكل المدرك وعلاقته بالأجزاء التي تكونه مفهوماً أساسياً من المفاهيم التي قامت عليها نظرية الجشطالت ، والكل هو مدرك سابق منطقياً ومعرفياً عن الأجزاء أو العناصر التي تكونه حيث لا تقوم الأخيرة بوظيفتها كأجزاء إلا في إطار هذا الكل.

ثانياً: المعنى:

وهو خبرة شعورية عقلية أو معرفية متمايزة بدقة ومحددة بوضوح تحدث حين تتكامل الرموز والمفاهيم والدلالات وتتفاعل مع بعضها البعض لتكوين المعنى المدرك.

ثالثاً: المعرفة :

ويشير مفهوم المعرفة إلى تفاعل كل من العمليات العقلية والعمليات
المعرفية (المحتوى المعرفي) والخبرات المباشرة وغير المباشرة التي تنعكس في قدرة الفرد على حل المشكلات.

رابعاً: تجهيز ومعالجة المعلومات:

ويقصد به بناء تراكيب أو أبنية معرفية تقوم على إدماج المعلومات أو الخبرات الجديدة في المعلومات أو الخبرات السابقة ثم إعادة توظيف أو استخدام ناتج هذا الإدماج في المواقف الجديدة .

وفيما يلي ثلاث نظريات من النظريات المعرفية وهي:

  • نظرية الجشتالت.
  • نظرية التعلم اللفظي المعرفي القائم على المعنى.
  • نظرية التعلم بالاكتشاف.

نظرية الجشتالت:

ظهرت هذه النظرية في ألمانيا على يد (فرتھیمر) کرد فعل ورفض للمفاهیم والنظريات السلوكية، وبخاصة مفهوم العناصر وتحليل السلوك إلى عناصره أو أجزائه الأولى المكونة له، ونادت هذه النظرية بدراسة السلوك ككل فدراسة السلوك كأجزاء لا يحقق الهدف المرجو من دراسته لأن طريقة الدراسة غير ملائمة ومضللة …

المفاهيم والمصطلحات المستخدمة في النظرية:

جاءت هذه النظرية بعدد من المفاهيم والمصطلحات، منها:

معنى الجشتالت:

تشير هذه الكلمة الألمانية الأصل إلى معان مختلفة في اللغة العربية فهي تعني الصيغة أو الشكل أو النمط أو الهيئة أو الصورة أو البنية، وهو كل متسق أو منتظم أو ذو معنی قابل للإدراك تحكمه علاقات بين مكوناته ، وهذه العلاقات هي التي تعطيه صفة الكل وتميزه عن المجموع.

الاستبصار:

هو الوصول إلى الحل فجأة وبطريقة سريعة وحاسمة أو إدراك
العلاقات الموجودة في الموقف المشكل والوصول إلى الحل أو الحلول المناسبة دفعة واحدة.

التوازن أو الأتساق المعرفي:

يرتبط هذا المفهوم بتحقيق الفهم الكامل وإيجاد نوع من الانسجام بين الخبرات السابقة لدى الفرد وما يراد اكتسابه من خبرات جديدة من ناحية، واستبصار الموقف المشكل والوصول إلى حل له ومن ثم استعادة التوازن المعرفي من ناحية أخرى، وهذا التوازن يصبح دافعا داخليا أصيلا لدى الفرد وهو أهم في نظرهم من أي مكافآت خارجية أو أية صورة من صور التعزيز أو الدعم، وهذا التوازن هو الدافع إلى الفهم والمعرفة.

إعادة التنظيم الإدراكي :

المقصود به إعادة تنظيم المتغيرات الحسية أو البيئية أو محددات أو معطيات الموقف المشكل بصورة تكتسب معها هذه المتغيرات أو المعطيات معانی أو علاقات جديدة.

ويمكن أن نضرب المثال التالي للعلاقة بين التنظيم الإدراكي واستبصار حل المشكلة:

مثال: من خلال النظر إلى الأرقام التالية أوجد الرقم المفقود : [08273645] فمن الممكن أن يكون هناك شيئا من الصعوبة في التعرف على الرقم المفقود.. ولكن لو أعدنا تنظيم هذه الأرقام لتكون [45 36 27 08] لأمكن بيسر وسهولة استنتاج الرقم المفقود من حيث أن التنظيم السابق أظهر علاقات بين ثنائيات الأعداد ، وهذه العلاقة تيسر عملية استبصار الحل والوصول إليه.

الفروض التي تقوم عليها نظرية الجشتالت:

لقد أقام علماء مدرسة الجشتالت نظريتهم على الفروض التالية:

  • عند مواجهة الكائن الحي مشكلة معينة فإنه يصيح في حالة من عدم التوازن المعرفي فيعمل على حل تلك المشكلة لاستعادة التوازن.
  • يعتمد نجاح الكائن الحي في حله المشكلات التي تواجهه على الكيفية التي يدرك بها محددات أو خصائص الموقف المشكل أي حدوث عملية الاستبصار.
  • تحدث عملية الاستبصار من خلال الإدراك المفاجئ للعلاقات بين الوسائل والغايات وإعادة التنظيم الإدراكي لمحددات الموقف المشكل.
  • يحدث التعليم عن طريق الاستبصار.
  • التعلم القائم على الاستبصار أكثر قابلية للتعميم وأقل قابلية للنسان.
  • يعتمد التعلم عند الجشتالتيين على دافع أصيل لدى الكائن الحي هو استعادة التوازن المعرفي.

الإجراءات التجريبية:

أجرى علماء نفس الجشتالت العديد من التجارب للتحقق من الفروض التي تقوم عليها هذه النظرية. ومن هؤلاء العلماء العالم الألماني (كوهلر) الذي قام بتصميم وإجراء تجارب على مجموعة من الشمبانزي وقد وصف (كوهلر) هذه التجارب في كتابه ” عقلية القردة ” الذي نشر عام 1925م ، وسوف نعرض لنوعين من تجارب(كوهلر) وهما تجربة العصا وتجربة الصندوق.

ما هي تجربة العصا للعالم كوهلر؟

وضع (كوهلر) قردا داخل قفص مغلق بإحكام ثم وضع الطعام (الموز) خارج القفص بحيث لا يمكن الوصول إليها باليد مباشرة، ووضع داخل القفص عصا، وفي البداية حاول القرد أن يصل إلى الطعام باليد لكنه فشل في تلك المحاولة، وبعد فترة لاحظ القرد وجود عصا داخل القفص ، فأمسك بها وبدأ في استخدامها استخدامات خطأ، وفجأة تغير سلوك القرد وأخذ باستخدام العصا بنجاح في جذب الموزة إليه، وعندما كرر (كوهلر) نفس الموقف المشكل كان القرد يلجأ على الفور إلى ما تعلم، ويستخدم العصا بنجاح وبسرعة بمجرد وضعه في القفص.

وقد قام (كوهلر) بإجراء تجربة أكثر تعقيدا من التجرية السابقة وتتلخص في أنه وضع داخل القفص عصوين قصيرين لا تكفي إحداهما لجذب الموزة ، ولكن يمكن الحصول على الموزة إذا وضعت إحداهما داخل الأخرى فتتكون عصا طويلة، وقد استغرق القرد وقتا طويلا في محاولات فاشلة لجذب الطعام باستخدام أحد العصوين، وأخيرا أخذ القرد يلعب بالعصوين وفي أثناء لعبه أدخل إحدى العصوين في الأخرى ، فوجد نفسه ممسكا بعصا طويلة، فقفز من مكانه بسرعة كبيرة واستخدم العصا الطويلة في جذب الطعام، ومعنى ذلك أن القرد أدرك العلاقة بين العصوين وعندما كرر (كوهلر) تجربته قام القرد بوضع إحدى العصوين في الأخرى بمجرد دخوله للقفص واستخدم العصا للحصول على الطعام بنجاح ودون الحاجة إلى محاولات خطأ؛ مما يدل على أن الحل قام على الفهم القائم على إدراك العلاقات الموجودة في المجال الإدراکی.

ما هي تجربة الصندوق للعالم كوهلر؟

قام (كوهلر) بوضع القرد داخل قفص ثم وضع الموزة في سقف القفص، ووضع داخل القفص صندوقا بحيث يؤدي استخدامه إلى حصول القرد على الطعام ، وبدأ القرد بمحاولات فاشلة، وأخيرا وقع نظره على الصندوق، وفجأة جذب الصندوق أسفل الموزة ثم وثب فوقه ووصل إلى هدفه.

وفي تجربة أخرى أكثر تعقيدا وضع (كوهلر) داخل القفص صندوقين، بحيث لا يمكن الوصول للطعام إلا بوضعهما فوق بعضهما، وقد قام القرد بمحاولات فاشلة وفجأة جذب الصندوق الثاني ووضعه فوق الصندوق الأول ثم صعد فوقه وجذب الطعام .

ويتضح من خلال التجارب السابقة تأكيدا ودعما لنظرية الجشتالت التي ترى بأن التعلم بتم على أساس إدراك العلاقات الموجودة بين عناصر الموقف والموقف ككل، أي فهم الموقف والعناصر التي يتكون منها هذا الموقف في صيغة كلية كما يتضح من هذه التجارب أن وصول الحيوان إلى الحل كان يحدث فجأة وبطريقة سريعة نتيجة حدود الاستبصار في الموقف المشكل.

قوانين التعلم في نظرية الجشتالت

يؤكد [کوفكا] أن بعض قوانين الإدراك التي وضعها [فرتهيمر] تعتبر في ذاتها قوانين للتعلم يمكن بها تفسير بعض مواقف التعلم، ومن هذه القوانين :

قانون الامتلاء:

عندما يقول علماء نفس الجشالت أن شكلا ما ممتلئ فإنهم يقصدون أن طبيعة هذا الشكل ممتلئة كأحسن ما يمكن في أجزائه، فإذا كان الشكل مثلا شكل دائرة فإنه يكون ممتلئا إذا كانت طبيعته الدائرية ممتلئة كأحسن ما يكون في كل جزء من محيط الدائرة.

قانون القرب:

إن العناصر أو الأشياء تكون شكل المجموعات طبقا للطريقة التي توضع بها، وبالتالي يساعد تقارب الأشياء من بعضها إدراكها كمجموعة أكثر من أن تدرك على أنها وحدات أو عناصر منفصلة.

قانون الغلق:

ويعني أن إدراك الأشكال، شبه المغلقة أو شبه الكاملة على أنها وحدات كاملة أو مغلقة يكون أكثر مما تدرك على أنها أشكال وحدات مفتوحة.

التطبيقات التربوية لنظرية الجشتالت:

أفرزت نظرية الجشتالت العديد من التطبيقات التربوية التي يمكن العمل بها داخل الصف، بهدف الوصول إلى تعلم أكثر فاعلية ، ومن هذه التطبيقات:

  • استثارة دافع الفضول وحب الاستطلاع لدى المتعلم فحل المشكلة التي يقع فيها التلميذ يكون دافعا له ( استعادة التوازن المعرفي ).

ومن هنا فإن إزالة الغموض أو خفضة يمكن النظر إليه على أنه مكافئ لفكرة التعزيز لدى السلوكيين ومع أن التعزيز لدى السلوكيين خارجي يعتمد على المكافأة الخارجية ، فإن خفض الغموض أو إزالته واستعادة التوازن المعرفي [أي الوصول لحل المشكلات] يمكن أن يكون بمثابة مكافأة داخلية. ويمكن للمعلم إشباع دافع الفضول، وحب الاستطلاع لدى المتعلم عن طريق ترتیب مواقف التعلم بما يحقق هذه الغاية.

  • يصف الجشتالتيون الفصل الدراسي بأنه نوع من العلاقة بين المعلم والمتعلم تقوم على الأخذ والعطاء فالعلم يساعد الطالب على اكتشاف العلاقات وتنظيم الخبرات في أنماط ذات معنى مع تقسيم المقرر الدراسي إلى وحدات ترتبط ببعضها بمفهوم عام.
  • إن التعلم بالاستبصار هو الإدراك المجاني للعلاقات بين عناصر الموقف فإنه يتضمن دون أدنى شد عملیات عقلية أساسية يمارسها التلميذ في مواقف التعلم ، وهي عمليات الفهم والتفكير وإدراك العلاقات.

مما يعني ارتياد مدرسة الجشتالت أحد أهم المجالات التطبيقية في علم النفس التربوي المعاصر وهو تنمية التفكير الإبداعي لدى التلاميذ، وقد أشار فرتهيمر إلى وجود نوعين من أساليب حل المشكلات، نوع يتميز بالاستبصار ونوع يستخدم قواعد قديمة من مواقف سابقة بطريقة غير صحيحة، وقد ضرب فرتهيمر مثالا لهذين النوعين في كتابه ” التفكير الإنتاجي” حيث قام بتعليم عدد من الطلاب كيفية إيجاد مساحة المستطيل عن طريق الفهم وليس الحفظ، وذلك عن طريق تقسيم المستطيل إلى مربعات صغيرة ثم أوضح للتلاميذ بأن المساحة الكلية للمستطيل هي عبارة عن حاصل جمع جميع المربعات الموجودة داخل المستطيل ، ثم طلب منهم إيجاد مساحة متوازي الأضلاع فانقسم التلاميذ إلى فريقين :

  • فريق يرى أن المشكلة جديدة عليه وتختلف عن المشكلة السابقة ولم يتوصلوا الحل.
  • اعتمد الفريق الآخر في الحل على قطع أحد أطراف متوازي الأضلاع ووصله بالطرف الآخر، بحيث يتحول من متوازي الأضلاع إلى مستطيل ، وهذا الحل من النوع الأول والاستبصار.

يمنكم متابعتنا على صفحتنا على الفيس بوك من هنا
يمنكم متابعتنا على قناتنا على التليجرام من هنا
يمنكم متابعتنا على قناتنا على اليوتيوب من هنا
يمنكم متابعتنا على تويتر من هنا
تبرع لنا و ادعمنا من هنا

تعليقات (0)

إغلاق